الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم، رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ، أو سمعت أُذُنٌ بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القُربات.
من أدّى عباداته أداء شكلياً ضَعُف إيمانه:
أيُّها الإخوة الكرام: أبدأ معكم من حالةٍ نعيشها جميعاً، لو أنَّ إنساناً ازداد تعرّقه يسأل الأطباء، رأى ذبابةً أثناء النظر مستمرة، يبحث عن طبيبٍ للعيون، شعر بضيق صدر عَقِب بذل جُهدٍ، يبحث عن طبيب قلب، لماذا نتابع قضايا أجسامنا؟ قضايا أجهزتنا؟ قضايا حواسنا؟ لماذا نحن حريصون على صحتنا؟ لماذا نحن حريصون على أرزاقنا؟ لماذا لا نحرص مثل هذا الحرص على إيماننا؟!
الإيمان يَضعُف أيُّها الإخوة، حينما تؤدّى العبادات أداءً شكلياً، حينما لا تُصلِّ النوافل إطلاقاً، حينما تتكاسل عن تلاوة القرآن، حينما يشتط البصر فينظُر إلى ما لا ينبغي أن ينظر إليه، حينما نجلس في مجلسٍ نتكلم بلا قيد، ولا شرط، ولا ضابط، ولا قلق، هذه حالات ضعف الإيمان، الإنسان حينما يشعر بضعف إيمانٍ في عباداته، في أذكاره، في تلاوته، رغبته في العمل الصالح تَضعُف، كلما كُلِّف بعملٍ صالحٍ يتنصَّل بأسلوبٍ لطيف، تنصّله من عملٍ صالح، عدم رغبته بتلاوة القرآن، أداء الصلاة أداءً شكلياً، الابتعاد عن كل النوافل، الاهتمام بالدنيا، التساهل في الاستقامة، هذه كلها حالاتٌ تؤدّي إلى مزيدٍ من ضعف الإيمان.
الإنسان ديناميكي حركي عليه أن يبتعد عن المعاصي و يتمسَّك بالأعمال الصالحة:
إخواننا الكرام: هناك تعبيرٌ دقيق، الإنسان بالتعبير المُعاصر ديناميكي، أي حركي، أيُّ خطأٍ يزداد وأيُّ طاعةٍ تزداد، نموذجك حركي، فإذا بدأت بخطأٍ ربما ازداد الخطأ، بدأت بمخالفةٍ بسيطة تنتقل إلى مخالفةٍ ليست بسيطة، ثم تنتقل إلى مخالفةٍ أكبر، بدأت بطاعة هذه الطاعة تقودك إلى ما هو أكبر منها، لذلك أحد الصحابة الكرام سأل النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا يُنجي العبدَ من النار؟ قال: الإيمان بالله، قلتُ: يا نبيَّ الله مع الإيمان عمل؟ قال: أن ترضخ مما خوَّلك الله، وترضخ مما رزقك الله، أي: أن تعطي وتتصدق قليلًا مما ملَّكك الله ورزقك إيَّاه، قلتُ: يا نبي الله، فإن كان فقيرًا لا يجد ما يرضخ؟ قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قلتُ: إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال: فليُعِن الأخرق أي: الجاهل الذي لا يحسن عمله، قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع؟ قال: فليُعِنْ مظلومًا، قلتُ: يا نبيَّ الله، أرأيت إن كان ضعيفًا لا يستطيع أن يعين مظلومًا؟ قال: ما تريد أن تترك لصاحبك من خير، لِيُمسكْ أذاه عن الناس، قلتُ: يا رسول الله، أرأيت إن فعل هذا يدخله الله الجنَّة؟ قال: ما من عبدٍ مؤمن يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذتْ بيده حتى تُدخله الجنَّة ))
[ أخرجه الطبراني والبيهقي ]
أي إذا كفَّ أذاه عن الناس بعد ذلك سيُعين الأخرق، وإذا أعان الأخرق بعد ذلك سيأُمر بالمعروف وسينهى عن المنكر، وإذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر بعد ذلك سيُنفِق مما آتاه الله عزَّ وجل، فالأعمال الصالحة تزداد والأعمال السيئة والمعاصي تزداد، فأنت نمطك ديناميكي حركي، فإيّاك أن تتساهل بمعصيةٍ هذه تجرُّ إلى أختها.
الذي أُريده: أنت حريصٌ على عينيك، وقد تنتظر شهرين حتى يأتي دورك مع طبيب العيون، حريصٌ على قلبك، حريصٌ على أجهزتك، على رزقك، تسعى، تتحرك، تسأل، لماذا يبدو حرصك على إيمانك ضعيفاً؟! تُصلّي لسنواتٍ مضت صلاةً شكليةً ولا تأبه، قد تهجُر القرآن الكريم إلى أمدٍ طويل ولا تحنُّ إليه، قد تتنصَّل من كل عملٍ صالح، قد تهتم بمصالحك، إذا ذكرت الله لا تشعر بشيء، تلوت القرآن لا تشعر بشيء، هذه كلها أعراض ضَعف الإيمان، والإيمان إذا ضَعُف يُجدَّد ويُقوّى.
موضوع هذه الخُطبة وسائل تقوية الإيمان، كل شخص يعاني من ضَعف الإيمان وهذه بعض أعراض ضَعف الإيمان، بإمكانه أن يُقوّي إيمانه، أول شيءٍ لتقوية إيمانه أن يطلب العِلم، أن يُتابع طلب العِلم لأنّ الإنسان حريصٌ على وجوده، وعلى سلامة وجوده، وعلى كمال وجوده، وعلى استمرار وجوده، فإذا ازداد علماً ازداد قلقاً، إذا ازداد علماً ازداد طاعةً، إذا ازداد علماً ازداد تعلقاً بالآخرة، إذا ازداد علماً ازداد ورعاً، هناك ارتباط.
أضرِب مثلاً بسيطاً: إخوانا التجار المستوردون، أيُّ صفقةٍ يستوردها يُدخلها في الميزانية للمالية، لو أغفل صفقةً واحدة، المالية تأخُذ نسخةً عن استيراداته من جهاتٍ أُخرى من الجمارك، فإذا أغفل صفقةً تُهدَر حساباته، ويُكلَّف بأضعافٍ مضاعفة من الضرائب، أنا لا أُصدِّق أنَّ تاجراً في الأرض يُغفِل صفقةً مستوردة لأنَّ الذي ستُحاسبه عليها معها صورة من دائرةٍ ثانية.
من ازداد علماً أن الله يعلم وسيُحاسِب وسيُعاقِب ازداد استقامة:
أنت مع إنسانٍ من بني جلدتك لكنه أقوى منك، لكن علمه يطولك، وقدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، فكلما ازددت علماً أن الله يعلم وسيُحاسِب وسيُعاقِب تزداد استقامةً، كلما أيقنت أن كل خطأٍ له حساب، وأن كل خطأٍ مع الآخرين له عقاب، تلتزم الاستقامة، فأنت تُحب نفسك، تُحب سلامتك، تُحب سعادتك، تُحب كمال وجودك، تُحب استمرار وجودك، بدافعٍ من فطرتك تستقيم على أمر الله.
فلذلك أيُّها الإخوة: ينبغي أن يطلب الإنسان العِلم، لكن أؤكد لكم أنَّ الإيمان يَضعُف، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إنَّ الإيمانَ ليَخلَقُ في جوفِ أحدِكم كما يَخْلَقُ الثوبُ، فاسأَلوا اللهَ أن يُجدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكم ))
يعني يَضعُف أو يهترئ.
كثرة الشهوات والشُبهات تُضعِف الإيمان بالله تعالى:
المشكلة كثرة الشُبهات وكثرة الشهوات تُضعِف الإيمان، الشُبُهات عقدية والشهوات سلوكية، فإذا استمعت إلى شُبهةٍ حول الإسلام، وشُبهةٍ ثانية، ولم تُبادِر إلى حلِّها، ولم تسأل أهل العِلم، ولم تسأل أهل الذِكر:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾
حينما تتراكم في ذهنك الشُبُهات على الإسلام، وما أكثر أعداء الإسلام، وحينما تزِلُ قدمك في بعض الشهوات التي لا تُرضي الله، مجموع الشُبُهات والشهوات هذه تُضعِف الإيمان.
طلب الجنَّة يحتاج إلى جهدٍ كبير من الإنسان:
لذلك أيُّها الإخوة: ربيعة بن كعبٍ الأسلمي رضي الله عنه قال:
(( كُنْتُ أبِيتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فأتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وحَاجَتِهِ فَقالَ لِي: سَلْ فَقُلتُ: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ، قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ: هو ذَاكَ، قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ ))
بصراحة لا يوجد طالب فقط يداوم وينتبه وينجح، يجب أن يداوم وأن ينتبه وأن يدرس في البيت، أحياناً إنسان يأتي إلى المسجد يسمع الخُطبة أو الدرس، فقط هذا؟ ألا يوجد جهدٌ في البيت؟ لا بُدَّ من جُهد عبادي، جهد بالذِكر، جهد بالدعوة إلى الله، جهد في الأمر بالمعروف، جهد بالنهي عن المنكر، لا بُدَّ من أن تُضيف إلى مجيئك إلى المسجد جُهداً في البيت، قال: (فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ) هذه عليك.
مثلاً مَلِك عنده ابنٌ وحيد قال له سَلني يا بُني، لو قال له طائرة خاصة، طائرة خاصة مثلاً، أحدث مركبة في العالم، أحدث مركبة، أجمل قصر أجمل قصر، لكن طلب منه مرةً أن يكون أستاذاً في الجامعة، قال: لا، هذه عليك وليس عليّ، ائتِ بالدكتوراه وسأُعيّنك، هذه ليست عليّ، فالعطاء المادي سهل، أمّا أنت حينما تطلب الآخرة، تطلب الجنَّة، هذه تحتاج إلى جُهدٍ منك (قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ) .
معرفة الله عزَّ وجل أعظم عطاء يناله الإنسان على وجه الأرض:
شيءٌ آخر: "إن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله في الليل" ، أول شيء يُقوّي إيمانك أن تطلب العِلم، الله عزَّ وجل يقول:
﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)﴾
ينبغي أن تزداد علماً، وصدِّقوا أيُّها الإخوة ما من عطاءٍ على وجه الأرض يناله إنسان كأن يعرف الله، والدليل قوله تعالى:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾
يعني أكبر فضل عليك أن تَعرِف الله، إن عرفته عرفت كل شيء، وإن فاتتك معرفته فاتك كل شيء، لأنك ما وجدت شيئاً.
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ ))
(( ما من رجلٍ يَسلُكُ طرِيقًا، يَطلُبُ فيه عِلْمًا إلَّا سَهَّلَ اللهُ لهُ طريقَ الجنةِ، و مَنْ أبْطأَ بهِ عملُهُ لمْ يُسرِعْ بهِ نَسبُهُ))
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا:
بالمقابل:
(( ما مِن قَومٍ جَلَسوا مَجلِسًا فتَفَرَّقوا عن غَيرِ ذِكرِ اللهِ إلَّا تَفَرَّقوا عن جِيفةِ حِمارٍ، وكان ذلكَ المَجلِسُ عليه حَسرةً يَومَ القيامةِ. ))
[ أخرجه أبو داوود والنسائي وأحمد ]
سهرةٌ على الأسعار في صعودٍ مستمر والمواد الغذائية، الدخل لا يكفي وأنت موظف ودوامك طويل، والدخل لا يكفي، ترى الدنيا اسودَّت في عينيك، كل يومٍ هناك خبرٌ قد لا يُحتمَل هكذا الدنيا.
(( ما مِن عامٍ إلَّا والَّذي بعدَهُ شرٌّ منهُ حتَّى تلقَوا ربَّكم ))
[ أخرجه البخاري والترمذي وأحمد ]
فالأخبار السيئة تُثبِّط الهِمم، فأنت إن جلست في مجلسٍ ذكرت الله، ذكرت أن كل شيءٍ بيده، رزقك بيده، صحتك بيده، مَن فوقك بيده، مَن تحتك بيده، مَن حولك بيده، صحتك، أجهزتك، كل شيءٍ بيده، تتفاءل، قال لك: يا عبدي عليك أن تُطيعني وانتهى الأمر.
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (66)﴾
تكون بحالة يأسٍ وإحباط وسُحِقت، بهذه الآية تنتعش:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾
هذه فوق كل الظروف، لك حياةٌ طيبة، لك حقٌّ عند الله عزَّ وجل.
(( كنتُ رَدِيفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على حمارٍ، فقال لي: يا مُعاذُ، أتدري ما حَقُّ اللهِ على العِبادِ، وما حَقُّ العِبادِ على اللهِ؟ قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: حَقُّ اللهِ على العِبادِ أن يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شَيئًا، وحَقُّ العِبادِ على اللهِ ألَّا يُعَذِّبَ مَن لا يُشرِكُ به شي ))
أنشأ الله لكَ حقاً عليه.
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2)﴾
من نقل أهدافه إلى الآخرة شعر بسعادةٍ كبيرة:
مهما تكن الأزمة صعبة، نبيٌ كريم وجد نفسه في بطن حوت فجأةً، لا يوجد أمل.
﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾
تقرأ القرآن تشعر بالأمل، بالثقة، بالمستقبل، أنَّ الله عزَّ وجل لا يتخلى عنك، إذا جلست مجلساً ما ذكرت الله فيه الأخبار كلها سيئة، تشعر بالإحباط، واليأس، والسوداوية، والتشاؤم، أمّا إذا أتيت بيتاً من بيوت الله واستمعت إلى كلام الله، الأمر بيد الله عزَّ وجل، لا يمكن أن يُسلمك إلى غيره مستحيل، كيف تعبُده وقد أسلمك إلى غيره؟! قال لك:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
هذا الإيمان، التوحيد هو الإيمان، فأنت في مجلسٍ يُقرأ فيه القرآن، تُشرح فيه آياته، أنت في تفاؤلٍ، في صحةٍ نفسية، في تماسكٍ داخلي، في قوةٍ على مواجهة الخطأ، في شعورٍ بالفوز، شعورٍ بالتفوُّق، نقلت أهدافك إلى الآخرة، أبواب الجنَّة مُفتَّحةٌ عليك، تكون بحال فتصبح بحالٍ ثانٍ.
طلب العلم يُقوي الإيمان و الاستقامة:
إذاً أيُّها الإخوة: الآن:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾
إذا ضَعُف إيمانك، وقلَّت خشيتك، وضَعُفت استقامتك اطلب العِلم ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) .
الآن أزمة أهل النار في النار أزمة علم:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾
من أراد تقوية إيمانه فعليه لزوم دروس العلم:
أيُّها الإخوة الكرام: أول شيء من أجل تقوية الإيمان ينبغي أن تلزم دروس العِلم، شخصٌ طموحه أن يكون طبيباً لكن ما خطر في باله أبداً أن يلتحق بكلية الطب، معنى ذلك أنه أحمق، مستحيل أن تكون طبيباً بأي بلدٍ في العالم إلا إذا التحقت بالجامعة، يريد الإيمان القوي، والفوز، والتوفيق، والنصر، والتأييد، ولا يُفكِّر أبداً أن يطلب العِلم، يُمضي عشر ساعات بالمسلسلات، لكن درس علم ثلاثة أرباع الساعة لا يقدِر، يقول مشغول لا أستطيع، تفضل وتحمَّل النتائج، كيف تعرف الله إن لم تأتِ إلى بيت الله؟ كيف تعرف كتاب الله إن لم تجلس في درسٍ يُفسَّر فيه الكتاب؟ كيف تعرف أحكام الفقه ما لم تطلب العلم؟
عفواً برميل ماء والدنيا حر تأتيه قطرات من الماء سريعاً ما تتبخر، إنسان أحياناً بعقد قِران يسمع كلمة يقول والله كلمة رائعة، هذه مقدارها ساعة، هناك سماع إلى بعض المحاضرات عشوائياً، صدفة، ليس هذا طلب العِلم، لا يوجد إنسان يقرأ مجلةً طبية فيصبح طبيباً، هذه ثقافةٌ عامة، طب هناك كليّة طب، علامات مُعيَّنة، في السنة الأولى علومٌ منوُّعة، علوم رياضية، وطبيعية، وفيزيائية، وكيميائية، بعد ذلك هناك علم التشريح، علم الفيزيولوجيا، علم الأمراض، علم الأدوية، ثم هناك استاج، ثم تطبيقات، ثم يأخذ إجازةً في الطب، بقي عليه الماجستير والدكتوراه ثم البورد، طريق طويل جداً حتى يوضَع أمام اسمه حرف دال فقط، يعني طبيب.
يريد إيماناً، والآخرة، والجنَّة، وليس مستعداً أن يحضر درس عِلمٍ واحد، ليس لديه الاستعداد لأن يقرأ كتاباً، همّه فقط متابعة الأخبار والمسلسلات والشاشة، وينتقد الناس ويعمل نفسه شيخ المسلمين.
الإيمان الضعيف لا يقوى إلا بطلب العلم:
أيُّها الإخوة: أول شيء طلب العِلم.
شيءٌ ثانٍ: موضوعٌ دقيقٌ جداً، معظم المسلمين يعانون من ضَعف الإيمان، ضَعف بصلاته، ضعف بغضّ بصره، ضَعف باستقامة لسانه، ضعف بتلاوة القرآن الكريم، ضعف بمعلوماته الدينية، ضعف بسلوكه، أحياناً تزل قدمه في بعض المعاصي، هذه كلها أعراض ضَعف الإيمان، والإيمان الضعيف يُقوّى بطلب العِلم.
الآن يُقوّى بمنهج التلقّي، ما العِلم الذي ينبغي أن أتَّبعه؟ أولاً ما جاء في القرآن الكريم، كتاب الله:
﴿ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾
القرآن الكريم قطعي الثبوت، إلا أنَّ آياته بعضها قطعي الدلالة وبعضها ظنّي الدلالة، بآيات قطعية الدلالة:
﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)﴾
هذه واضحة، بآياتٍ أُخرى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .
القرآن الكريم قطعي الثبوت، لكن آياته بعضها قطعي الدلالة، وبعضها ظنّي الدلالة، والأشياء الأساسية المُتعلقة بسعادتك وسلامتك كلها قطعية الدلالة، هناك بعض الآيات متعلقة بذات الله:
﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) ﴾
لا تزيد عن خمس آياتٍ، إن لم تفهم معناها (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فلا بُدَّ من منهج التلقّي، القرآن أولاً، أمّا الحديث فما كلُ حديثٍ قطعي الثبوت، هناك أحاديث موضوعة، أحاديث ضعيفة، أحاديث حسنة، أنت بالحديث بحاجةٍ إلى نَشاطَين، إلى أن تتأكد من صحة الحديث أنت بحاجةٍ إلى نَشاطَين، مع القرآن الكريم أنت بحاجةٍ إلى التطبيق فقط، أن تعرف ماذا أراد الله بهذا الكلام؟ ولكن مع الحديث أنت بحاجةٍ فضلاً عن أن تُطبِّق أن تعرف مدى صحة الحديث، ثم ماذا أراد النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الحديث؟ ثم تطبيق الحديث.
العمل لا يُقبَل إلا إذا كان خالصاً وصواباً:
منهج التلقّي: القرآن والسُنَّة، القرآن وما صحَّ من السُنَّة، الآن وأي قولٍ آخر من آدم إلى يوم القيامة، مسموع، مقروء، مطبوع، مُشاهَد، قديم، حديث، وأي قولٍ آخر يُعرَض على الكتاب والسُنَّة فإن وافقه فعلى العين والرأس، وإن خالفه لا يُقبَل، يقول: يا أخي أقاموا حفلةً غنائيةً ما شاء الله، قال: ريعُها للفقراء! هذه خلاف الكتاب والسُنَّة، العمل لا يُقبَل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتُغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السُنَّة، إذاً هذا المشروع الخيري غير مقبول خلاف الدين، الآن أنت مهمتك أيُّ عملٍ يجب أن يُقيَّم بالكتاب والسُنَّة، أيُّ قولٍ أنَّ هناك دواءً يُطيل العُمر، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)﴾
مرةً قال لي شخصٌ: الرياضة ممنوعة؟ قلت له: لا ليست ممنوعة، لك عند الله سبعةً وستون عاماً، إمّا أن تُمضي هذه السنوات واقفاً، نشيطاً، متحركاً، أو بالفراش، العناية بالصحة لا تعني أنها تزيد العمر ولكن تعني أنك تتمتع بنشاطك الجسمي، فالرياضة ضروريةٌ جداً لا من أجل أن تُطيل بها عُمرك، ولكن من أجل أن تستغل هذا العُمر وأنت نشيط، هذه آياتٌ قرآنية، فأنت معك منهج، معك مقياس، وأيُّ كلامٍ لأي إنسان إذا وافق المنهج على العين والرأس، وإن لم يوافقه لا نقبله.
من انغمسَ في ملذَّاته ونسيَ ربّه غضب الله عليه ولعنه:
منهج التلقّي: القرآن الكريم قطعي الثبوت، مهمتك أن تعرف ما المراد من هذه الآية؟ السُنَّة بعضها قطعي الثبوت، بعضها ظنّي الثبوت، إذاً أول عملٍ أن تتأكد من صحة الحديث، وبعدها أن تتأكد من مدلول الحديث كي تُطبِّقه، أمّا كلام الآخرين مرهونٌ بموافقته لكتاب الله أو عدم موافقته، تدخُل المدرسة في الصف الحادي عشر في العلوم الطبيعية تأتي نظرية "داروين"، الإنسان أصله قرد، أنا والله مؤخَّراً آمنت بهذه النظرية، لكن آمنت بها معكوسة، كان إنسان صار قرداً، كان إنساناً كاملاً لمّا انغمسَ في ملذَّات الدنيا أصبح كالقرد، والله عزَّ وجل قال:
﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)﴾
القرد همُّه بطنه، والخنزير همُّه فرجه، فالذي همُّه بطنه وفرجه فقط، قردٌ على خنزير، هكذا مسخ الإنسان.
3 ـ تلاوة القرآن وفهمه وتدبُّره:
أيُّها الإخوة: البند الثالث تلاوة القرآن وفهمه وتدبُّره، هذا الكتاب تقرأ القرآن يقول لك:
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123)﴾
إلهٌ، الذي خلق السماوات والأرض، الذي خلق الكون، الذي خلق في الفضاء الخارجي سحابةً يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة، كل شيء بيده، الذي خلق السماوات والأرض قال لك: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ) .
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾
لا تحزن على ما مضى ولا تخشى مما هو آت، فالذي يتَّبِع هُدى الله عزَّ وجل لا يَضِل عقله ولا تَشقى نفسه، ولا يندَم على ما فات ولا يَخشى مما هو آت.
تلاوة القرآن الكريم بتمعُّن تحلُّ للإنسان مشاكله:
تقرأ القرآن الكريم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) وعدٌ إلهي فوق المكان والزمان، فوق الشروط والظروف والحصار، ما هي الظروف الموجودة في الأرض؟ هذا الوعد فوقها، تقرأ القرآن الكريم:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾
تلاوة القرآن الكريم، حاول تقرأ في اليوم خمس صفحات الحد الأدنى، بعد الفجر اقرأهم، أُقسِم لكم بالله تُحلّ بهذه الصفحات الخمس كل مشكلاتك، ترى مشكلتك بالآية، في عندك طريقٌ مسدود تفتح القرآن: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) إلهٌ يقول لك، والله الذي لا إله إلا هو، زوال الكون أهون على الله من ألّا تُحقَّق هذه الآية.
من عبَدَ الله و شكره على عطائه جعل له مخرجاً من حيث لا يحتسِب:
أنا أُخاطب الشباب، أول حياتك يا أيُّها الشاب تريد زوجةً، تريد بيتاً، تريد عملاً، وترى أنَّ الطرق كلها مسدودة والأمر صعب، لا، كُن مع الله ترى الله معك (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) عندي ألف قصة، من الصفر أمل صفر ثم جاء كل شيء، ضع ثقتك بالله، عليك أن تعبده (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) اعبدهُ واشكرهُ على عطائه وانتهت مهمتك، تسمع عن بلادٍ غنيةٍ جداً، بلاد خضراء، أمطارها غزيرة، بُحيرات، أنا كنت في فرنسا انتقلت من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها كلها خضراء، أنهار بأعلى درجة من الغزارة، بلاد خضراء جميلة جداً، هذه على الشبكية، بعد ثمانية سنتمترات من الدماغ تظهر قطعة من جهنم، يجب أن ترى الأشياء بنور الله.
التماسُك الأُسري بداية انتصار الأمة:
في بلادنا أدام الله الأمن في بلادنا، وأدام الرخاء في بلادنا إن شاء الله، هناك خوفٌ من الله، هناك مساجدٌ مُمتلئة، هناك صلاة، هناك قرآن، هناك أبٌ يُهمُّه أولاده، هناك ابنٌ يُهمُّه والده، هناك زوجةٌ مستقيمةٌ حريصةٌ على سُمعتها، هناك تماسُكٌ أُسري، شيءٌ مُذهل! والله هذه نعمةٌ.
أيُّها الإخوة: أقول لكم كلمة دقيقة: والله التماسُك الأُسري بداية انتصار الأُمة، والله انحلال الأُسرة بداية انهيار الأُمة، لا تزال الأُسَر عندنا متماسكة بفضل الله، فلانة زوجة فلان، الابن غالٍ على أهله، يُربّى تربيةً جيدة لازلنا بخير، أنا أتألم من إنسانٍ يسافر إلى بلاد الغرب لا يتكلم عن سلبياتهم، يمدحهم مدحاً غير طبيعي، لا يرى أي إيجابية من إيجابياتنا، هذا إنسان غير موضوعي يُحطِّم لك معنوياتك.
لا تَلُم كَفّي إِذا السَيفُ نَبا صَحَّ مِنّي العَزمُ وَالدَهرُ أَبى
أي لكل جوادٍ كبوة، ولكل حسامٍ نَبوة، ولكل عالمٍ هفوة، نحن الآن أُمةٌ كبا جوادها لكن لها تاريخٌ مجيد.
أيُّها الإخوة: اقرأ القرآن الكريم، خمس صفحات يومياً، وإذا لك سؤالٌ فاكتبه واسأل عنه، ودائماً وأبداً هناك من يُجيبُك عن أسئلتك، أولاً طلب العِلم، ثم الحرص على منهج التلقّي، ثم تلاوة القرآن، هذه أول خطواتٍ ثلاث في تقوية الإيمان، والحمد لله ربِّ العالمين.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
العاقل من جلس مع نفسه من حينٍ لآخر يتفكَّر في أخطائه:
أيُّها الإخوة: الإنسان حينما يجلس مع نفسه من حينٍ إلى آخر، كان عليه الصلاة والسلام يقبَع في غار حراء، أنت لا تريد غار حراء، ادخُل إلى غُرفةٍ خاصة، فكِّر، يوجد عندك أخطاء، دائماً نحن الدنيا تأخذنا.
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)﴾
الحقيقة الصحابة كانوا إذا مشوا أسرعوا، سيدنا عُمر: كان إذا سار أسرَع، وإذا أطعَم أشبَع، وإذا قال أسمَع، وإذا ضرب أوجَع، لكن الآية: (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) معنى هوناً هُنا لا يسمَح للدنيا أن تأخذه، لا يسمح لعمله التجاري أن يستهلكه، لا يسمح لهموم بيته أن تُنهيه، لا يسمح، له هدفٌ كبير، الآن تجد معظم الناس مُنتهٍ، مُنتهٍ بمشاكله، ببيته، بتجارته، بعمله، يعمل ليلاً نهاراً.
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)﴾
ومما جاء في الأثار القدسية من الكتب السماوية السابقة: "خلقت لك السموات والأرض من أجلك فلا تتعب، وخلقتك من أجلي فلا تلعب" .
[ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" ]
ومما جاء في الأثار القدسية من الكتب السماوية السابقة: "خلقت لك السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيُعييني رغيفٌ أسوقه لك كلَّ حين، لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أُخالفك في رزقك، وعِزَّتي وجلالي إن لم ترضَ بِما قسَمْتُهُ لك فلأُسلِطَنَّ عليك الدنيا تركضُ فيها ركْض الوحش في البريّة، ثمَّ لا ينالك منها إلا ما قسمْتُهُ لك منها ولا أُبالي، وكنتَ عندي مَذْموماً"
يُروى أنَّ الله تعالى قال لسيدنا داوود: " يا داوود، أنت تُريد وأنا أُريد، ولا يكون إلا ما أُريد، فإن سلّمت لما أُريد كفيتك ما تُريد، وإن لم تُسلِّم لما أُريد أتعبتك فيما تُريد، ثم لا يكون إلا ما أُريد" .
على الإنسان أن يهتم بقلبه وإيمانه ومستوى طاعته لله كما يهتم بصحته ودخله:
أيُّها الإخوة: لا يوجد إلا الله عزَّ وجل، فلا بُدَّ من مراجعة للحسابات، اجلس مع نفسك من حينٍ لآخر، ضع ورقةً وقلماً هل يوجد دخلٌ فيه شُبُهة؟ هل يوجد علاقة لا تُرضي الله؟ هل يُعجبك خروج ابنتك؟ ثيابها تُعجبك أم فيها تَفلُّت؟ أنت مُتساهل، يجب أن تعمل ضبطاً لحياتك الخاصة، ضبطاً لعباداتك، ضبطاً لتفكُّرك، ضبطاً لذِكرك، ضبطاً لتلاوتك، ضبطاً للقاءاتك الاجتماعية، هل هناك لقاءٌ لا يرضي الله عزَّ وجل؟ هل هناك لقاءٌ فيه اختلاط؟ اعمل مراجعة، اكتُب الإيجابيات والسلبيات، اعمل برنامجاً دينياً، راجع نفسك، سيدنا عُمر قال: "تعاهد قلبك"، كما لو أنك تُراجع طبيب العيون إذا كان هناك ذبابةً تراها دائماً، أو هناك ألمٌ بالصدر عقب بذل جُهدٍ، فهذا مؤشِّرٌ خطير أنَّ هناك ضيق تروية في القلب، أو هناك أمراضٌ مؤلمةٌ جداً.
فيا أيُّها الإخوة: كما تهتم بصحتك، وتهتم بدخلك، وتهتم بعملك، ينبغي أن تهتم بقلبك، وأن تهتم بإيمانك، وأن تهتم بمستوى طاعتك لله عزَّ وجل، والأمر بيدك.
وقد وَرَدَ في الأَثَرِ كما ذَكَرَهُ ابنُ القَيِّمِ في مَدَارِجِ السَّالِكِينَ: أَوحَى اللهُ إلى مُوسَى: " كُنْ لي كَمَا أُريدُ، أَكُنْ لَكَ كَمَا تُريدُ، كن لي كما تريد ولا تعلمني بما يُصلحك" ، الله عزَّ وجل يعلم الذي يُصلحك، فالعِبرة أن تؤدّي الذي عليك وأن تطلُب من الله الذي لك.
اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافِنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقِنا واصرِف عنّا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي بالحقِّ ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذلُّ من واليت ولا يعزُّ من عاديت، تباركت ربَّنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هبّ لنا عملاً صالحاً يُقربنا إليك.
اللهم اعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهِنّا، آثرنا ولا تؤثِر علينا، ارضنا وارضَ عنّا.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصُر الإسلام وأعزَّ المسلمين، وخُذ بيد ولاتهم على ما تُحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.
الملف مدقق